- كتب : رؤوف حرزالله
في شوارع العاصمة, كما في كبريات مدن الجزائر -على غرار ولاية قسنطينة شرقا و وهران غربا – خرجت مجموعات من الناشطات و المواطنات يحملن لافتات تطالب بالقصاص و أخرى بوضع حد لجرائم راحت ضحيتها فتيات في مقتبل العمر وجدن في حالة متقدمة من التعفن بعد الحرق و التنكيل و الإغتصاب , و طالبت النساء الغاضبات بوضع حد للعنف الجنسي , و تفعيل القوانين الرادعة و تسليط أقسى العقوبة على مرتكبي هذه الجرائم .
ثلاث حالات إغتصاب ثم قتل خلال أسبوع واحد
و أثارت ظاهرة العنف الجنسي موجة من الغضب العارم , و إستكارا منقطع النظير داخل الأوساط الشعبية و لدى الحقوقيين و حتى في أعلى هرم الدولة الجزائرية . آخر ضحايا هذه الجريمة شيماء ” 19 سنة ” من شرق الجزائر , وجدت مقتولة بعد عملية خطف وإغتصاب و حرق من طرف شاب حاول إغتصابها في السابق و سجن بعد أن تقدمت بشكوى ضده , لكنه أعاد الكرة بعد خروجه من الحبس و إغتصبها ثم قتلها منتقما بوحشية .
و من الضحيا أيضا فتاة تدعى كنزة من مدينة سطيف ” 300 كلم شرق الجزائر ” وجدت هي الأخرى محروقة بعد إغتصاب و قتل , و ثالثة في ” تمنراست ” أقصى جنوب الجزائر بنفس الطريقة تماما .. و كل هذه الجرائم حدثت خلال أسبوع واحد بحسب ما أكدته بيانات السلطات الأمنية و مصالح الحماية المدنية التي عثرت على الجثث المتفحمة .
القصاص و تطبيق حد القتل لا يكفي
و منذ بداية العام 2020 سجلت إحدى المنظمات الحقوقية ما يزيد عن 38 حالة قتل ضد نساء بسبب إنتمائهن الجندري , و ما يفوق 60 حالة في العام 2019 , و تعتقد مجموعة “فيميسيد ألجيريا” التي تهتم بمثل هذه القضايا أن الرقم يكون أعلى بكثير بسبب حالات عدم الإبلاغ عن تلك الجرائم خشية من ” الفضيحة ” و” العار ” بحسب إعتقاد البعض , و هو ما يعيد أسئلة واقع الكبت المجتمعي بحسب خبراء الإجتماع , و يعيد الوقوف عند حقيقة موروث القيم و تناقضاته التي تسكن الأسرة الجزائرية , و تعيد ايضا موضوع إستفحال النظرة الدونية للمرأة برغم ما حققته النساء من مكاسب في المجتمع .
يقول الصحفي والكاتب عادل صياد : “إن الجميع طالبوا بالقصاص ضد قاتل شيماء و كأن الأمر سينتهي بتطبيق هذا الحد , ينبغي إعدام المنظومة الإجتماعية و النفسية و التربوية و الدينية التي أوجدت قاتل شيماء و الأخريات : و ما دون ذلك سيكون مجرد هروب من الواجهة الحقيقية لأسباب إقدام أولئك المختلين على أفعالهم الشنيعة . ” يضيف عادل صياد .
يرى عادل و غيره من الفاعلين في المجتمع أن السبب يبدأ من الأسرة الصغيرة التي لا زالت تفضل الذكور على الإناث و تبرر أفعال الولد غير السوية , على النقيض تماما إن أخطأت الفتاة .
و ترى الكاتبة لمياء عاشور أن بعض الشباب يعيش إنفصاما أخلاقيا و فكريا داخليا , فقد ترى أحدهم يقيم علاقة مع فتاة خارج مؤسسة الزواج لسنوات , و يفضل أن تكون خليلته متحررة في الجنس و الخروج ليلا و تفاصيل الحياة الأخرى , لكن في نهاية المطاف ينحاز الى ” أناه الثاني ” و يفضل الإرتباط بأخرى بنت ” عايلة ! ” و يفرض عليها الحجاب و عدم ممارسة أي عمل سوى الإنجاب و خدمة أهله و أبنائه .
و من منطلق أن ” النساء ناقصات دين و عقل ” -كما تربينا -, تضيف لمياء, أننا سنبقى مجرد مشاريع جنس و إغتصاب لعديد من الوحوش البشرية التي تعاني من أزمات متعددة بدءا من التعليم و العمل و التهميش التي تدفعهم جميعها الى الانخراط في عالم الجريمة .
إستفحال النظرة الدونية للمرأة و مجتمع يبرر العنف
جمعيات نسوية عديدة في الجزائر لا زالت تناضل في مجال الحريات و حقوق النساء , و ترى أن العنف الذكوري لا زال يتسع و يتمدد , لكن المجتمع يقبله و يبرره في غالب الأحيان , و راحت تطالب مؤسستي الأمن و العدل بعدم التسامح مع مرتكبي هذه الجرائم حتى و إن تقدم الضحايا بطلب التنازل عن الحقوق , فغالبا ما تلجأ بعض العائلات الى التنازل عن شكاوى ضد مغتصبين و مجرمين خوفا من متاهات المحاكم و درءا للفضيحة , و هو ما يشجع المجرمين في الإستمرار إرتكاب الأخطاء.
و فيما ترى جمعية ” النساء الجزائريات من أجل التغيير و المساواة ” أن الوضع أصبح لا يطاق , و صمت السلطات لا يبرره أي شيئ , ترى أيضا أن عقوبة الإعدام التي ألغيت مطلع العام 1993 ليست رادعة و لا تحمي الفئات الضعيفة , و طالبت بتغيير القوانين و فتح كثير من مراكز الأسعاف و التوجيه و التوعية لصالح المرأة .
أما بعض المختصين في علم الإجتماع فيرون ان ما يحدث الأن من عنف هو من تراكمات الماضي بداية من سياسة العزلة و الإنغلاق التي انتهجتها الجزائر , مرورا بسنوات الإرهاب و إنتشار الفكر المتطرف و إستيراد مرجعيات دينية و إجتماعية لا تتمشاى و مرجعيات المجتمع الجزائري . و طالبوا بتغيير شامل في المنظومة التربوية و التعليمية التي لا زالت تغذي فكرة إلغاء المرأة من إدارة المجتمع , و فتح المجال أمام أصحاب المشاريع الفكرية المعتدلة التي زالات مغيبة عن المشهد برغم محاولات ظهورها عبر وسائل إعلام محلية أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي .
أضف تعليقا